Thursday, February 4, 2010

الشرق الأوسط: المعوقون في لبنان.. جهود خاصة نحو "بيئة دامجة"

الشرق الأوسط: المعوقون في لبنان.. جهود خاصة نحو "بيئة دامجة"

20 كانون الأول 2009 كارولين عاكوم - الشرق الاوسط

بين العزل والدمج تتأرجح حقوق المعوقين الاجتماعية في لبنان، والتي تتحكم بها بيروقراطية إقرار القوانين والتصديق على الاتفاقيات الدولية من جهة وعدم تطبيق المؤسسات الرسمية والخاصة لها من جهة أخرى. ففي بلد يعيش أبناؤه على وقع بورصة المواقف السياسية، تبقى الأمور والمشكلات الاجتماعية في آخر سلم اهتمامات المسؤولين. فهل أن المعوقين «يصارعون» منذ سنوات للحصول على أدنى حقوقهم في وقت يجب على الدولة أن تقدّم لهم المساعدة وتوفّر لهم الظروف الملائمة ليندمجوا في المجتمع بدل عزلهم وإبعادهم عن محيطهم.

وفي الإحصاءات تتفاوت الأرقام بين جهة وأخرى، إلا أن دراسة أعدها البنك الدولي كشفت أن 10 في المائة من الشعب اللبناني يعانون من إعاقة معينة، وكذلك أعلنت منظمة الصحة العالمية أن عددهم في لبنان هو 400 ألف شخص، ويجب أن تتوازى نسبة العاملين منهم مع نسبتهم في المجتمع. ومن ناحية أخرى أظهرت الدراسة التي أعدتها وزارة الشؤون الاجتماعية اللبنانية بالتعاون مع UNDP إلى أن 2 في المائة فقط من الشعب اللبناني هم من المعوقين، و50.4 في المائة من هؤلاء هم من غير المتعلمين، فيما 83 في المائة منهم عاطلون عن العمل. وتعزو رئيسة اتحاد المقعدين في لبنان سيلفانا اللقيس هذا التفاوت في الأرقام إلى الإشكالية في تصنيف الإعاقات التي تختلف بين مؤسسة وأخرى، إضافة إلى امتناع الأهل وعدم تصريحهم عن الإعاقات التي يعاني منها أبناؤهم. وتعتبر اللقيس أن النسبة التي أظهرها البنك الدولي هي الأقرب إلى الواقع اللبناني.

أما في ما يتعلق بالقانون اللبناني فهو قد أعطى في مادته /2000220 وبعد طول انتظار، في عام 2000، المعوقين بعضا من حقوقهم، ولكنها كغيرها من القوانين اللبنانية بقيت حبرا على ورق تحتاج إلى تنفيذ. وينص هذا القانون على حق الشخص المعوق في العمل والتوظيف والتنقل الآمن والسكن وتخصيص نسبة 3% من الوظائف في القطاعين العام والخاص لتوظيفهم، وفي التقديمات الاجتماعية والصحية والتعليم، إضافة إلى الإعفاءات الضريبية والتسهيلات المالية التي تقدم إلى الأشخاص المعوقين، وإلى جمعيات المعوقين والجمعيات التي تقدم خدمات لهم. لكن قلة من المؤسسات في كلا القطاعين تلتزم هذا القانون، وخصوصا في القطاع العام.

لكن هذا الخرق للقوانين الذي يتم من المؤسسات العامة والخاصة، قابله توقيع لبنان على «الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقات» لكنها بقيت غير قابلة للتنفيذ بانتظار التصديق عليها في مجلس الوزراء لتصبح سارية المفعول بل ملزمة التطبيق من المعنيين، وهذا ما سعت وتسعى إليه جمعيات المجتمع المدني المعنية. وفي هذا الإطار تقول اللقيس: «تلقينا وعودا إيجابية من المعنيين، وإذا تم التصديق على هذه الاتفاقية ستصبح الدولة اللبنانية ملزمة بالعمل على تعديل القوانين الحالية بما يتلاءم مع شروطها، وبالتالي الوصول إلى مرحلة دمج المعوق في المجتمع اللبناني وتطبيق القانون، أما إذا خلفوا الوعد فعندها سنقوم بخطوات تصعيدية قد تصل إلى رفع دعوى قضائية إلى المجلس الدستوري».

وتلفت اللقيس إلى أن فشل السياسات المتبعة لغاية اليوم لدمج المعوق في المجتمع اللبناني، تعود إلى أن العمل في ما مضى كان يتم وفق مبدأ «عزل المعوقين» في مجتمعات وأماكن خاصة بهم، الأمر الذي حال دون سهولة تقبل المجتمع لهم، وهذا ما أثبتته الدراسات الاجتماعية والعلمية.

وماذا عن الجهود التي تبذل في القطاع العام والخاص ولا سيما المجتمع المدني لإعطاء المعوق حقه ودمجه في المجتمع؟ تجيب اللقيس «المجتمع المدني وجمعيات المعوقين تعمل جاهدة على نشر ثقافة الدمج وحققنا بذلك نتائج إيجابية ونماذج رائدة تستحق أن تكون أساسا ومثالا لتبنى عليها سياسات وطنية اجتماعية. ولكن عملنا هذا لا يزال يحتاج إلى دعم قانوني وتطبيقي من الدولة اللبنانية، ومستعدون لدعم الوزارات المعنية بخبراتنا والنتائج التي توصلنا إليها للانتقال من مرحلة العزل إلى مرحلة الدمج الاجتماعي للمعوق». وتعزو اللقيس عدم اهتمام الدولة بقضايا المعوقين إلى الضعف في ثقافة الدمج وعدم إعطاء أولوية للقضايا الاجتماعية والإنسانية، إضافة إلى أنهم يعتبرون أن المعوقين لا يشكلون ثقلا اقتصاديا يمكن التعويل عليه، مع العلم أننا «إذا كنا مستهلكين وغير منتجين فهذا سيشكل عبئا إضافيا على المجتمع والدولة».

ومن الجهود الخاصة التي تقوم بها جمعيات المعوقين في سبيل الوصول إلى مرحلة الدمج، فقد وقع أخيرا اتحاد المعوقين في لبنان بروتوكول تعاون مع نقابة المهندسين والمجلس الأعلى للتنظيم المدني المسؤولين عن إعطاء تراخيص البناء، يهدف للعمل على تطبيق المعايير الهندسية الدامجة التي تراعي احتياجات الأشخاص المعوقين في الأبنية، من نوع الأرصفة المائلة تسهيلا لوصول الكرسي النقال، والمصاعد.. كما جرى الاتفاق على وضع برنامج عمل متكامل يمكن تقويمه كل فترة، وإقرار رؤية استراتيجية تحت عنوان «نحو بيئة دامجة». وفي حين يوجد في لبنان مدارس ذات مستويات تعليمية واجتماعية متفاوتة تعنى بتعليم المعوّقين وبعضها تتطلّب دفع مبالغ باهظة سنويا، تشير اللقيس إلى التعاون الحاصل مع وزارة الشؤون الاجتماعية وفق مشروع خاص يهدف إلى دمج الأطفال المعوقين في المدارس العادية، وهي لا تتعدى الـ30 مدرسة، لكنها تلفت إلى أن الوصول إلى النتائج المرجوة يتطلب وضع برنامج دائم، وليس مشروعا ينتهي العمل به عند توقف التمويل. وفي قطاع سوق العمل الذي لا يزال المعوقون لا يشكلون فيه أكثر من 17 في المائة، يعمل اتحاد المقعدين في بيروت وجبل لبنان والجنوب والبقاع من خلال شبكة تواصل مع المؤسسات الخاصة لتوظيف المعوقين وذلك بعد إخضاعهم لدورات خاصة ليحظوا بالوظيفة التي تناسب قدراتهم، ولا تؤثر في الوقت عينه على الإنتاجية في العمل. وفي حين تؤكد اللقيس نجاح التجربة في القطاع الخاص، تأمل أن تلمس الوزارات هذا التقدم لينسحب الأمر فيما بعد على الوظائف الرسمية.

No comments:

Post a Comment