Thursday, November 26, 2009

«دمج الأشخاص المعوقين في التنمية الاجتماعية والاقتصادية في لبنان»

كـي يذهـب المعوق إلى عمله.. ويعـود منـه منهكـاً.. كـأي واحـد منـا

صحيفة السفير - 26 تشرين الثاني 2009 بقلم: جعفر العطار
تكاد الفكرة تكون غير مألوفة: شخص معوق، بغض النظر عن نوع اعاقته، يجلس خلف مكتب أو شاشة كومبيوتر، لإنجاز المهام المطلوبة منه، وهو، بغض النظر عن جنسه أو عمره، يلقى معاملة «عادية» من زملائه في المؤسسة، من دون تكلف، أو تكبر، أو استغراب.
يستيقظ المعوق صباحاً. يتناول وجبته الصباحية، ثم ينطلق الى عمله، مثله مثل أي موظف عادي، باستثناء بعض الإجراءات الخاصة، و المراعية لوضعه. بعد وصوله الى مكان العمل، يتبادل أطراف الحديث مع زملائه، يركز على عمله. ينتهي الدوام، ثم يعود الى المنزل سعيداً، أو منهكاً، و حتى حزيناً، كأي انسان عادي.
الفكرة لم تعد غريبة تماما اليوم: فقبل عام، أطلقت ثلاث جمعيات مشروع «نحو تنمية دامجة»، بتمويل من «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» (USAID)، عنوانها «دمج الأشخاص المعوقين في التنمية الاجتماعية والاقتصادية في لبنان». وتخللت فترة انطلاقة المشروع مراحل عدة، تؤهل أصحاب المشروع الحديث عن الانجازات التي حققت من جهة، والخطط المستقبلية من جهة ثانية.
تشارك في المشروع، الذي تنتهي مدة تمويله من «USAID» في آواخر شهر آذار من العام المقبل، كل من: «جمعية الشبيبة للمكفوفين»، منظمة «مرسي كور» (Mercy Corps)، و«اتحاد المقعدين اللبنانيين». وتتولى الجمعية الأولى ادارة هذا المشروع، الذي شق طريقه بنجاح، وفقاً لمجمل التقييمات من قبل المشرفين.
وتتمحور أهداف المشروع حول تطوير سياسة دمج الأشخاص المعوقين في أنظمة وبرامج ومؤسسات التنمية في لبنان، وإزالة عوائق التوظيف المرتبطة بمؤهلات وخبرات الأشخاص المعوقين. بالاضافة الى تفعيل دمج الأشخاص المعوقين في برامج الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.
وتشير سكرتيرة جمعية «الشبيبة للمكفوفين» جنان خشوف الى أن المشروع كان يقتضي العمل على عشرين مؤسسة لتصبح دامجة، واعادة تأهيل عشرين شخصا معوقاً من بينهم عشرة من ذوي الاعاقات البصرية، ثم ينقل عشرة منهم الى وظائف محددة في عشر مؤسسات.
أما ما تم تنفيذه حتى الآن، فيمكن تقسيمه الى ثلاثة أقسام: على صعيد الأشخاص المعوقين، على صعيد المؤسسات المستهدفة، ومن جهة الوكالة الأميركية للتنمية.
في الخانة الأولى، المتعلقة بالأشخاص المعوقين، نفذت الجمعية دورتين للغة الانكليزية (40 ساعة)، تستهدف الأولى المكفوفين والثانية المعوقين حركياً. وأقامت دورات تدريبية على الكومبيوتر، وورشتي عمل للمشاركين حول التواصل الخطي والشفهي والمهارات الأساسية للعمل.
كما حضرت الجمعية خطة فردية لكل من المشاركين في المشروع، بغية تنمية قدراتهم وزيادة امكانية توظيفهم في المستقبل. وبعد الانتهاء من الخطوة الأولى، نظمت الجمعية اجتماع للمؤسسات المستهدفة للتعريف بالمشروع.
تلفت خشوف الى أن الجمعية اختارت 18 مؤسسة للمشاركة في المرحلة الأولى المقدمة من الوكالة الأميركية للتنمية، ثم نفذت ورشتي عمل لمدة يومين «لتوعية المؤسسات المشاركة في المشروع بمواضيع تشمل الاعاقة عامة، وتعليمات للتواصل مع ذوي الاعاقات الحركية والبصرية خاصة».
وأعدت الجمعية تقريرا خاصا بكل مؤسسة، ثم اختارت ثماني مؤسسات للمشاركة في المرحلة الثانية من المشروع، حيث عقدت اجتماعات تخطيط مع ست من المؤسسات الثمانية وتم تحضير خطة عمل لكل من هذه المؤسسات. «كما يجري العمل على خطتي العمل التي لم تحضر بعد، ونحضر حالياً ورشتي عمل حول أهمية التنوع في كل مكان» تقول خشوف.
بالاضافة الى ذلك، شكلت الجمعية ورش عمل خاصة بموظفي خمس مؤسسات، حول التعامل مع ذوي الاحتياجات الاضافية. بعد المراحل تلك، عمدت الجمعية الى تأمين تدريب 12 شخصا معوقا داخل المؤسسات الثماني، من بينهم سبعة لديهم اعاقات حركية، وخمسة لديهم اعاقات بصرية. كما يجري العمل على تأمين تدريب مكفوفين آخرين.
وعن التعديلات التي واجهت الجمعية، تشير خشوف الى أنه تم تأمين برنامج «HAL» لتسهيل تدريب المكفوفين، و«قمنا بتكييف هندسي لدورة المياه في احدى المؤسسات، وسيتم تزويد الدرج بمنحدر كهربائي في أخرى». ونظمت جلسة تقييم لجميع المتدربين في المؤسسات، كما أعدت جلسات تدريبية خاصة على برنامج الناطق لثلاث مؤسسات، بناء على طلبهم.
نتائج إيجابية
وخلال جلسات التقييم، كانت النتائج ايجابية جداً، حتى أنه «طلبت الجامعة الأميركية، وهي من المؤسسات التي عملت على الدمج، مكفوفين آخرين، ما يدل على اعجابهم بالفكرة. وهذا ما كنا نأمله» تقول خشوف، وتضيف: «هناك بعض المؤسسات تفيد بأنها ستثبت المعوقين في وظائفهم، الذين يعدون في مرحلة تدريبية، أما المؤسسات الباقية فما زالت متحفظة».
لكن، وفي الحالتين، فان المعوق يكون قد استفاد من تجارب عدة، يضاف اليها نقطة اضافية، أو قد تكون الأولى، في «أرشيفه» المهني. ما يخوله الاندماج، لاحقاً، في مؤسسات أخرى، محصناً بخبرة لا تقل عن عام.
في السياق نفسه، تلفت المديرة التنفيذية في منظمة «مرسي كور» سارة قوزي، الى أن المنظمة، قدمت فكرة المشروع الى «USAID» بالتنسيق مع جمعية «الشبيبة للمكفوفين» و«اتحاد المقعدين اللبنانيين» بصفتهما التنفيذية، و«نعمل الآن، بعد مرور عام على المشروع، على تطويره والبحث في الخطوات المستقبلية» على حد وصف قوزي.
ومن أهم الخطوات - التطويرية التي يتم البحث فيها، هي أن يكون دمج المعوقين في القطاع الخاص. أي التدريب مع شركات خاصة، كالمصارف والمستشفيات والشركات التجارية وغيرها. وتقول قوزي: «اننا نبحث عن مؤسسات مانحة لهذا المشروع الجديد».
تجدر الاشارة الى أن المنظمة غير حكومية، وتعمل في شتى المجالات، خصوصاً في ايجاد فرص اقتصادية للشباب، وتساهم في الدراسات حول أوضاع اللاجئين. كما أنها تعمل في بلدان متعددة، خاصة في العراق وفلسطين. ولها مقران رئيسيان: الأول في أميركا، والثاني في اسكتلندا.
لا تخفي سميرة معاصري مديرة «الجمعية المسيحية للشابات»، وهي من بين المؤسسات الثماني التي رحبت بفكرة الدمج، لا تخفي تخوفها القديم - أي قبل تجربتها - حول التعامل مع شخص كفيف أو معوق جسدياً: «من سيهتم بالمواصلات، كيف سيأتي وكيف سيعود؟ من سيساعده في العمل؟ هل يستطيع انجاز المهام المطلوبة منه؟».
أما الآن، وبعد تجربة كل من هبة وناريمان في الانخراط بعمل الجمعية، تعتبر معاصري أنها اكتسبت تجربة جميلة «فتحت عيوننا على أشخاص كنا لا نراهم، وبتنا ندرك معنى هذه الحالات. هؤلاء مثلنا. يستطيعون العمل. لقد استفادوا، ونحن استفدنا منهم» تقول معاصري.
وتجزم المدير المنفذة للجمعية، والتي تعد أقدم جمعية نسائية تطوعية عالمية (تأسست عام 1900)، بأن تخوف الموظفين في الجمعية من فكرة التعامل بحذر مع المعوقين اندثر، «بل على العكس، الكل تكيف مع الحالة، خصوصاً بعد التدريبات التي تلقوها. ونحن كجمعية، مستعدون لاستقبال حالات مثيلة».
في مبنى الجمعية، الواقع في عين المريسة، تجلس فتاة محجبة خلف طاولة ممهورة بلوحة «الاستعلامات». الفتاة مصابة باعاقة جسدية. اسمها ناريمان، وهي تبلغ من العمر 34 عاماً. «انها نشيطة جداً»، هكذا يعرف عنها زملاؤها.
لناريمان شقيقة معوقة أيضاً، وهي مصابة بشلل نصفي، «عندما أصبت في وركي وأصبحت معوقة، بات الناس يستهزئون بوالدي» تقول الفتاة، والتي تدل سحنتها على أنها عشرينية. التجرية المهنية هذه، ليست الأولى من نوعها لناريمان، فهي قد عملت في مجالات عدة، لكن قبل أن تصبح معوقة.
بعد الاصابة، مكثت الفتاة ثلاث سنوات في المنزل. فكرة الانخراط في سوق العمل كانت تخيفها كثيراً. كان التوجس يزداد عندما تتخيل بأن لا أحد سيتقبلها. التخوف ذاك تلاشى عندما زاولت ناريمان العمل في الجمعية، وبالتحديد في اليوم الثاني، عندما أحست الفتاة بأنها مثلها مثل زملائها في كثير من الأشياء المهنية.
تتحدث الفتاة عن تجربتها، قائلة: «الجميع هنا يبادلني الاحترام، ومعاملتهم طبيعية جداً، كما انني أحظى بمراعاة وانتباه من كل الزملاء. وهذا الأمر يبث في نفسي السعادة». تتنهد ناريمان قليلاً، ثم تنبس: «لقد تأثرت بصديقتي. هي مصابة باعاقة بصرية». الفتاة، اسمها هبة.
حكاية هبة
تعلن هبة فجأة أنه قبل يوم كان عيد ميلادها، فتستغرب ناريمان: «ليه ما خبرتينا؟!». تبتسم الفتاة ابتسامة خفيفة، اليوم أصبح عمرها 25 عاماً. هبة لا ترى، وهي لم تصب بالمرض وراثياً، أو عندما فتحت عينيها وهي صغيرة.
تروي هبة قصتها، لافتة إلى أنها منذ أربع سنوات، كانت تحضر لامتحانات الفصل الأخير في الجامعة، حيث كانت تدرس السنة الأخيرة من اختصاص ادارة الأعمال. وفجأة، استيقظت هبة صباحاً «ولم أعد أرى شيئاً على الاطلاق. ومع الأيام، تطورت الحالة، وصارت الرؤية مستحيلة».
هكذا، لمدة عام كامل. ثم بدأت الحالة تخف، لكن ليس بالمستوى اليسير. الا أنها لا زالت كفيفة. عندما تتحدث هبة، فانها تنظر الى محدثها وكأنها تراه أمامها، نسألها عن الأمر، فتجيب زميلتها: «هي تعتمد على الصوت».
عن تجربتها المهنية الأولى، تقول هبة: «لقد بقيت مدة 4 سنوات من دون عمل. الآن، أشعر بأنني أفيد من حولي. بت أعرف انني لست مهمشة. لي دور أقوم به، وعندي حياة أعيشها». تفرح الفتاة عندما تسمع معاصري تقول إن «هبة شطورة كتير بمجال السكرتاريا».
التواصل مع الناس، العلاقات العامة، الطباعة على الحاسوب، كلها أمور كانت تفتقدها هبة. أما الآن، فهي باتت تتوغل في كل تفصيلة تطلب منها، وتنجزها على أكمل وجه. ولهذه الفتاة، أمنية: «أحلم بانشاء شركة لتأجير السيارات». لماذا ؟ تجيب: «كي انتقم من سائقي الأجرة الذين يستغلوننا!»
في شهر آذار المقبل، تنتهي مهلة المشروع. الدعم من قبل اﻠ»USAID»، وهو بالمناسبة يتجلى بتكفل كلفة نقل المعوقين (240 دولارا في الشهر لكل فرد)، سيتوقف.
نسأل السيدة معاصري حول احتمال بقاء هبة وناريمان في الجمعية، فتجيب معاصري: «مبدئياً، نحن وافقنا بأن تتدربا عندنا. لكن فكرة التوظيف حالياً ليست متوفرة، لأننا في الأصل لسنا بحاجة لموظفين. لكن أول ما نحتاج اليه، ستكون الفرصة الأولى لكل من ناريمان وهبة». لناريمان طلب أخير: «أتمنى الا نهمش. نحن ايضا لنا دور، وعندنا حياة نعيشها».

No comments:

Post a Comment