Monday, December 21, 2009

الأشخاص المعوقون والعمل في لبنان بقلم فاتن قبيسي

وزارة العمل «بصدد وضع خطة لتطبيق القانون 220 وإنجاز المراسيم التطبيقة 83 بالمئة»

من الأشخاص المعوقين في لبنان بلا عمل برغم الاتفاقية الدولية 159






لم يخطر يوماً ببال فضل وهو مكفوف، أن عشقه للإعلام ونيله شهادة جامعية فيه، لن يشكلا بوابة عبور منطقية الى عالم الكلمة. كما لم يتوقع ان موهبته، وخبرته في العمل الإذاعي لن يكونا كافيين ايضاً ليحمل لقب «موظف».
واللافت في قصة فضل (45 عاماً)، ليس انه طرق أبواب مؤسسات إعلامية عدة في مجال إعداد البرامج، بل في الإجابة التي كان يحصل عليها في كل مرة يطلب فيها التوظيف وهي: «التوظيف مرفوض، لكن بإمكانك العمل مجاناً!» وهو ما اضطُر اليه مؤخراً، عبر نشر مقالاته في إحدى المجلات بلا مقابل، وهو الذي عمل سابقاً أيضاً في إعداد وتقديم البرامج في إحدى الإذاعات تطوعياً. واذ يبدي فضل تشاؤماً بالرغم من استعانته «بالمؤسسة الوطنية للاستخدام» في هذا المجال لإيجاد فرصة عمل، فإنه يتساءل عن المصير الذي كان آل اليه، لو كانت زوجته لا تعمل.
أما هناء التي لديها شلل نصفي، فتحارب الكآبة الناجمة عن بطالتها منذ العام 1998، عبر التعلم والانخراط في عدد من الدورات التدريبية.
وهناء (44 عاماً) كانت تعمل في ادارة مصبغة يملكها والدها، وفي تجارة معدات وتجهيزات المصابغ، وأصيبت منذ 14 عاماً بجلطة دماغية تسببت لها بشلل نصفي، تابعت بعدها عملها في التجارة، الى ان توقفت بسبب كساد السوق. ومذاك تقدمت بطلبات توظيف كعاملة هاتف، في عدد من المكاتب والعيادات الطبية، كما استعانت بجمعيات أهلية لمساعدتها في إيجاد فرصة عمل، لكن من دون جدوى.
تحاول هناء اليوم التغلب على شعورها بالغبن وكسب الوقت، عبر خضوعها لدورات لتعلم الكومبيوتر، واللغة الانكليزية، وإدارة مشاريع صغيرة، و«غرافيك ديزاين». علّها تستعيد أملها بإيجاد فرصة عمل.. على ضوء مهاراتها المكتسبة حديثاً.
هذان النموذجان يعكسان حالة يعاني في ظلها معظم المعوقين في لبنان إجحافاً في مجال التوظيف. وبحسب دراسة أجرتها وزارة الشؤون الاجتماعية، يبلغ نسبة العاطلين عن العمل 83% من مجمل هذه الفئة. وتبلغ نسبة الذين يعيشون تحت عتبة الحرمان منهم 43،8% . الامر الذي يبدو نافراً قياساً الى وجود قوانين واتفاقيات تحفظ حقوق هذه الفئة في العمل، ولا تجد طريقها الى التطبيق. وهي: القانون الرقم 220/2000، «اتفاقية التأهيل المهني والعمالة (المعوقون)» رقم 159، الصادرة عن «منظمة العمل الدولية» العام 1983، والتي صدّق عليها لبنان العام 2000 و«الاتفاقية الدولية لحماية وتعزيز حقوق الأشخاص المعوقين» الصادرة عن الامم المتحدة، والتي وقّع عليها لبنان بشكل أولي العام الماضي، فيما لم يصادقها بعد.
ويأتي هذا التقصير في وقت يعتبر فيه لبنان من اكثر البلدان المعنية بتطبيق القوانين لأسباب عدة، وهي ان دستوره ينص على مبادئ العدالة الاجتماعية وحقوق الانسان والمساواة، وانه عانى حربا أهلية مدمرة وحروبا واحتلالا اسرائيليين، جعلت الاعاقة في طليعة قضاياه الملحة، خصوصاً ان البنك الدولي اقترح اعتماد الاعاقة كمؤشر للفقر. كما انه لا يزال يعاني خطر انفجار القنابل العنقودية، التي خلفتها اسرائيل في حرب تموز.
تجدر الاشارة الى أن نسبة الاشخاص المعوقين تبلغ في لبنان 10 في المئة وفق المنظمات المدنية المعنية، وواحداً في المئة بحسب الاحصاءات الوطنية. ويعود التفاوت بين النسبتين الى عدم وجود تعريف موحد للإعاقة، وخجل بعض الأهالي من التصريح عن إعاقات أولادهم.
تلازم القانون 220 والاتفاقية 159
يغدو تطبيق القانون 220، تطبيقاً لروحية كل من الاتفاقية 159، والاتفاقية الدولية لحماية وتعزيز حقوق الأشخاص المعوقين، على حد سواء. كيف ذلك؟
يقول المدير العام لوزارة العمل عبد الله رزوق لـ«السفير» ان القانون 220 الصادر العام 2000، هو الإطار الترويجي «لاتفاقية التأهيل المهني والعمالة (المعوقون) التي كان قد صدق عليها لبنان العام ذاته. وعندما وضعه المشرّع اللبناني أخذ هذه الاتفاقية بعين الاعتبار، إضافة الى شرعة حقوق الانسان. وثمة مراسلات بين «منظمة العمل الدولية» والحكومة عن مدى الالتزام بروحية الاتفاقية التي تتمحور حول تأمين العمل اللائق للمعوق. ولكن التقصير في مجال التطبيق يعود الى عدم توافر الاعتمادات المالية اللازمة.
وتشير لجنة الخبراء المعنية بتطبيق الاتفاقيات في «منظمة العمل الدولية»، في تقريرها المتعلق بلبنان، الى انها استلمت معلومات مفصلة من الحكومة بشأن تطبيق الاتفاقية في العام 2004، معتبرة ان القانون 220 ينص على تدابير رادعة في مجال تخصيص نسبة من الوظائف للمعوقين.
واذ تشكلت «لجنة تفعيل حقوق المعوقين بالعمل» العام 2004، فإن لجنة الخبراء طالبت الحكومة بمعلومات عن التطبيق العملي المنصوص عليها في القانون 220، وعن أثر التدابير التي تستهدف المساواة الفعلية في فرص العمل بين العمال المعوقين والعمال عموماً.
وذكرت لجنة الخبراء أن الحكومة اللبنانية شكلت «لجنة مؤقتة لتدريب الاشخاص المعوقين» وفقاً لقرار مجلس الوزراء الرقم 20/2004، وأصدرت قراراً رقمه 50/2004، ينص على إجراء دراسة للآليات التي تمكّن المعوقين من القيام بمهنة حرة أو عمل مستقل، وان الحكومة طلبت من «منظمة العمل الدولية» المساعدة التقنية لوضع الآليات المناسبة في هذا المجال، فيما طالبتها اللجنة بدورها بأن تستمر بإعلامها بالتقدم الذي يُحرز في مجال تطبيق القانون.
لكن المشكلة اليوم هي في عدم تطبيق القانون 220، بالرغم من الخطوات التي اتخذتها الحكومة، والتي أوردها تقرير لجنة الخبراء. ما يعني ان تشكيل اللجان أمر شكلي، وأن إرسال التقارير الى المنظمة يقتصر على الناحية النظرية. فالقانون ما زال يفتقد الى مراسيم تطبيقية. وهو يشكل محور تحركات احتجاجية ومساع مستمرة من جمعيات أهلية تعنى بشؤون المعوقين، وعلى رأسها «اتحاد المقعدين اللبنانيين».
«الاتفاقية الدولية لحماية حقوق المعوقين»
في المقابل، تشكل «الاتفاقية الدولية لحماية وتعزيز حقوق الأشخاص المعوقين»، الوثيقة الاشمل والاوسع التي تدعم القانون 220. وتؤكد مديرة البرامج في «اتحاد المقعدين اللبنانيين» سيلفانا اللقيس على أهمية هذه الاتفاقية، آملة الالتزام بها ووضع مراسيمها التطبيقية، كما جاء في البيان الوزاري.
والاتفاقية دخلت حيز التنفيذ في أيار العام 2008. وقد وقّع عليها حتّى الآن 137 دولة (منها 13 دولة عربيّة) وصادقت عليها 44 دولة (منها 5 دول عربيّة).
«وعلى الصعيد اللبناني، تفتح هذه الاتفاقية آفاقا جديدة وجديّة في المجال المطلبي للأشخاص ذوي الإعاقة، من حيث الضغط على الجهات المسؤولة، لتفعيل التشريع المحلّي الذي يعنى بشؤون المعوّقين (القانون 220/2000) الذي ما زال غائباً عن التطبيقات. إلا ان لبنان اكتفى بالإمضاء عليها وبروتوكولها، ولم يصادق عليها بعد». كما ورد في نص الاتفاقية.
وبناء على ما تقدم، يبقى القانون 220 هو المحور الاساس. وهو ينص على تخصيص الكوتا 3% من الوظائف للمعوقين، في القطاعين العام والخاص، وذلك تبعاً لعدد الموظفين. وفي حال عدم التزام الشركات بها، يدفع أربابها ضريبة تعادل ضعفي الحد الادنى عن كل معوق كان يجب توظيفه، على أن يوضع مجموع هذه الضرائب في صندوق خاص لدى وزارة العمل، وهو الصندوق الذي يفترض ان يشكل مصدراًً «لتعويض البطالة». حيث يحق لكل شخص لا يمكنه العمل بسبب إعاقته، تعويض يوازي ثلاثة أرباع الحد الأدنى من الراتب.
وإذا وظفت شركة خاصة بموجب القانون عدداً أكبر من المعوقين، فإنها تستفيد من خفض على ضريبة الدخل. ولكن كل هذه البنود بقيت حبراً على ورق.
وتقول اللقيس إن القانون واضح في تكريس الحقوق وتوضيحها، لكنه ضعيف في الآليات التطبيقية. وأقصى ما تم فعله، هو تشكيل لجان ربطاً بالقانون، وهي لجان توجيهية واستشارية لا أكثر.
وتثير اللقيس مشكلة عدم توظيف المعوقين في القطاع العام، من خلال عدم قبول أي منهم، في المباراة، التي يجريها «مجلس الخدمة المدنية» للوظائف العامة، بذريعة أنهم فشلوا في المباراة، معتبرة ذلك «تمييزاً مقنّعاً»، داعية وزارة الشؤون الاجتماعية الى تحديد المهن التي يمكن ان يقوم بها المعوقون.
أما «المؤسسة الوطنية للاستخدام» التي يفترض أن تكون صلة وصل بين المعوقين وسوق العمل، بحسب القانون المذكور، فترى اللقيس انها غير مدعومة مالياً من الحكومة، بما يساعدها على القيام بدورها كما يجب.
مشروع الدمج الاقتصادي والاجتماعي
وفي ظل عدم تطبيق القانون 220، يقوم «اتحاد المقعدين اللبنانيين» بمشروع الدمج الاقتصادي والاجتماعي للمعوقين منذ خمس سنوات، من خلال تنظيم ندوات مع القطاع الخاص، لجذب الشركات الخاصة للاستفادة من قدرات المعوقين. وقد أعدّ الاتحاد دليلاً بأسماء الشركات التي أصبحت «صديقة للأشخاص المعوقين في لبنان»، ويسعى لينضم اليه أسماء جديدة.
ومن خلال هذا المشروع، يتبين أن منافع توظيف المعوقين عديدة، وتشمل تعزيز المظهر العام للشركة وانتشار سمعتها الحسنة، ازدهار الحياة الاقتصادية بفعل تحويل المعوقين الى قوة شرائية، تحقيق إنتاجية عالية للمعوقين والتزامهم بالحضور والولاء للشركة، الاستفادة من خبراتهم في مجال حاجاتهم الإضافية، وخلق بيئة عمل متنوعة ودامجة.
فؤاد بدران على سبيل المثال يقدم نموذجاً إيجابياً في مجال التوظيف. فلم تمنع إعاقته كمقعد دون توظيفه، بل انه حظي بوظيفتين بدوامين ليلي ونهاري، في شركة لنقل السيارات، وفي صحيفة لبنانية. ويتحدث بدران، وهو متزوج ولديه ولدان، عن كيفية تفهم رب العمل لإعاقته، عبر إجراء تغييرات لوجستية بسيطة، وغير مكلفة، في موقف السيارات، وفي مكان العمل، لمساعدته على التحرك وتأدية واجبه المهني بيسر.
وهكذا، يتضح ان ابرز اسباب بقاء المعوقين خارج سوق العمل، هو الاعتقاد الخاطئ بأن كلفة التجهيز الهندسي لاستقبال المعوقين عالية، تضاف اليها العادات والموروثات الثقافية، وغياب برامج التأهيل المهني المتكيفة مع حاجات المعوقين، والانطلاق من الاحكام المسبقة المتعلقة بقلة إنتاجية هذه الفئة.
ممثلو أرباب العمل
يؤكد رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان غازي قريطم (في عداد تسليم منصبه إلى محمد شقير)، أن عدم تطبيق القانون 220 يعود الى تقصير الدولة وأرباب العمل على حد سواء. فالدولة لا تقوم بمهمة الإشراف والرقابة في مجال تطبيقه، وأرباب العمل بالتالي منعتقون من أي التزام في هذا المجال.
لماذا لا تطالبون من موقعكم أرباب العمل بتطبيق القانون؟ يجيب قريطم بقوله: «لا تحل غرفة التجارة مكان الدولة. نحن نصدر توصيات في هذا المجال، ليس أكثر، ولكن ما يجب فعله هو إجبار الناس على الاعتراف بالقانون المذكور. فالقانون أقوى من التوصيات».
من جهته، يؤكد الأمين العام لـ«جمعية الصناعيين اللبنانيين» أحمد حسين أن معيار التوظيف هو كفاءة العامل بغض النظر عما إذا كان معوقاً أم لا.
واذا كان حسين، وهو صاحب دار طباعة، يمثل نموذجاً ايجابياً في مجال توظيف المعوقين، حيث يعمل في مصنعه سبعة معوقين من أصل 60 عاملاً، فإن المشكلة هي عدم توسيع نطاق هذه التجربة. ويقول: «لا يمكنني أن أطلب من صناعي توظيف شخص لمجرد أنه معوق، القصة ليست قصة عمل خيري، يجب أن يكون منتجاً بالدرجة الأولى. لذا يجب إعداد استمارات من قبل الجمعيات الاهلية والوزارة المعنية، لتحديد اختصاصات المعوقين، وكفاءاتهم حتى تكون المصانع جاهزة لاستقبالهم.
نقول له إن كثيرين منهم يبرزون شهاداتهم وخبراتهم، ومع ذلك يرفض معظم أصحاب المصانع توظيفهم، ما يعني ان المسألة تحتاج الى تغيير ذهنية». فيعلق حسين قائلاً: «اذاً على هذه الفئة أن تراجع الجمعية. ونحن ننظر بالأمر».
وزارة العمل: بصدد وضع خطة
هذه الحصيلة حملناها الى المدير العام لوزارة العمل عبد الله رزوق، الذي تحدث انطلاقاً من أجواء البيان الوزاري، الذي تضمن سعي الحكومة الى الانضمام الى الاتفاقية الدولية لحماية حقوق المعوقين، والإسراع بإنجاز المراسيم التطبيقية للقانون 220.
أكد رزوق أن وزير العمل في الحكومة الجديدة بطرس حرب بصدد وضع خطة لتطبيق القانون، وانه سيصار قريباً الى وضع الاعتمادات اللازمة، وإنجاز المراسيم التطبيقية. ولفت الى ان «لجنة تفعيل حقوق المعوقين بالعمل» عقدت اجتماعات عدة منذ أشهر، ووضعت تصوراً لتطبيقه، إلا أن الامور بقيت عالقة بسبب الوضع العام في لبنان. ويعزو سبب عدم تطبيق القانون الى أسباب عدة، منها عدم وجود إمكانات مالية، وخلاف وزارتي المالية والعمل على موضوع الصندوق المزمع تشكيله لجمع «ضرائب الكوتا».
ووزارة العمل معنية بتطبيق القانون 220، في الجانب المتعلق بالعمل فقط، لا سيما في القطاع الخاص («مجلس الخدمة المدنية» مسؤول في ما خص القطاع العام)، فيما تعنى وزارة الشؤون الاجتماعية بتطبيق الجوانب الأخرى في القانون، المتعلقة بالتعليم والرياضة والسكن، بالتنسيق مع بقية الوزارات.
وبالرغم من واقع الحال، الا أن رزوق يعتبر أن لبنان ما زال متقدماً عن البلدان المحيطة، خصوصاً ان فترة التسعينيات، شهدت موجة توظيف للمعوقين في القطاعين العام والخاص.

No comments:

Post a Comment